Pages

إصراره صلى الله عليه وسلم على الجهاد بما بعثه الله من الدعوة إلى الله

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }   
اسم الكتاب حياة الصحابة { رضى الله عنهم }
مؤلف الداعي كبير الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي 1335هـ / 1917 ــ1965م،
 تنقل كثيراً في طلب العلم أولاً، وفي نشر الدعوة ثانياً، زار السعودية عدة مرات حاجاً، والباكستان مؤلف كتاب الشيخ أماني الأخبار وهو شرح معاني الآثار للطحاوي، وكتابه الشهير حياة الصحابة

إصراره صلى الله عليه وسلم على الجهاد بما بعثه الله من الدعوة إلى الله
وأخرج البخاري عن المِسْور بن مَخْرَمة ومروان قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ــــ فذكر الحديث بطوله كما سيأتي في هذا الباب في الأخلاق المُفضية إلى هداية الناس، فيه: فبينما هم كذلك إذ جاء بُدَيل بن وَرْقاء الخُزاعي في نفر من قومه من خُزاعة ــــ وكانوا عَيْبَةَ نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تِهامة ــــ فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنَّا جئنا معتمرين، وإن نَهكَتْهُم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا مادَدْتهم مدة ويخلُّوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوا فوالذي نفسي بيده وقاتلنَّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذنَّ أمر الله».
وعندي الطبراني عن المِسْور ومروان مرفوعاً: «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب، فماذا عليهم لو خلُّوا بيني وبين سائر العرب، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن الله أظهرني عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يقبلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أُجاهدهم على الذي بعثني الله حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة» كذا في كنز العمال.
وهكذا أخرجه ابن إِسحاق من طريق الزُّهْري، وفي حديثه: «فما تظن قريش؟ فوالله لا أزال أُجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهرَه الله أو تنفرد هذه السالفة»، كذا في البداية .

أمره صلى الله عليه وسلم علياً في غزوة خيبر بالدعوة إلى الإِسلام

وأخرج البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأُعطِيَنَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسولَه ويحبه الله ورسولُه» قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيُّهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غَدَوا على النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسل إليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنفُذ على رِسْلَك حتى تنزل بساحتهم، ثم أدعهُم إِلى الإسلام؛ وأخبرهم بما يجب عليهم من حقِّ الله تعالى فيه؛ فوالله لئن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم». وأخرجه أيضاً مسلم نحوه.

صبره عليه السلام في دعوة الحَكَم بن كَيْسان إلى الإِسلام
وأخرج ابن سعد عن المقداد بن عمرو قال: أنا أسرت الحَكَم بن كَيْسان، أراد أميرنا ضرب عنقه، فقلت: دَعْهُ نَقْدَمْ به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمنا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإِسلام فأطالَ، فقال عمر: علام تكلِّم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا «آخر الأبد، دَعْني أضربْ عنقه وَيَقْدَم إلى أُمه الهاوية، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يُقبل على عمر حتى أسلم الحكم، فقال عمر: فما هو إلا أن رأيته قد أسلم حتى أخذني ما تقدَّم وما تأخَّر، وقلت: كيف أردُّ على النبي صلى الله عليه وسلم أمراً هو أعلم به مني؟ ثم أقول: إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله، فقال عمر: فأسلم والله فحسن إسلامه وجهد في الله حتى قتل شهيداً ببئر معونة ورسول الله صلى الله عليه وسلم راضٍ عنه ودخل الجنان.

وعنده أيضاً عن الزهري قال: قال الحكم: وما الإِسلام؟ قال: «تعبد الله وحده لا شريك له وتشهد أن محمداً عبده ورسوله»، فقال: قد أسلمت، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: «لو أطعتكم فيه آنفاً فقتلتُه دخل النار».

قصة إسلام وَحْشيّ بن حرب
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إِليّ وحشيِّ بن حرب قاتل حمزة يدعوه إلى الإِسلام، فأرسل إليه؛ يا محمد، كيف تدعوني وأنت عزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلقَ أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهاناً؛ وأنا صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } (الفرقان: 70). فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد «إلا من تاب وآمن عمل عملاً صالحاً» فلعلِّي لا أقدر على هذا، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } (النساء: 48)، فقال وحشي: يا محمد، هذا أرى بعد مشيئة، فلا أدري هل يغفر لي أم لا فهل غير هذا؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر: 53)، قال وحشي: هذا نعم، فأسلم؛ فقال الناس: يا رسول الله، إنا أصبنا ما أصاب وحشي، قال: «هي للمسلمين عامّة». قال الهيثمي : وفيه أبْينُ بن سفيان ضعَّفه الذهبي.

وعند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنَوا فأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أنَّ لما عملنا كفارة، فنزل: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً } (الفرقان: 68)، ونزل: {قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}. وأخرجه أيضاً مسلم وأبو داود والنِّسائي، كما في العيني وأخرجه البيهقي بنحوه.

بكاء فاطمة على تغير لونه صلى الله عليه وسلم من أجل المجاهدة على ما بعثه الله

وأخرج الطبراني وأبو نُعيم في الحلية والحاكم عن أبي ثعلبة الخُشَني قل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غَزاة له، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين وكان يعجبه إذا قدم من سفر أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين يُثَنِّي بفاطمة ثم أزواجه ــــ فقدم من سفره مرة فأتى فاطمة فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته على باب البيت فاطمة فجعلت تقبل وجهه ــــ وفي لفظ: فاه ــــ وعينيه وتبكي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يبكيك؟» قالت: أراك يا رسول الله، قد شحب لونك، واخلولقت ثيابك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا فاطمة لا تبك فإنَّ الله بعث أباك بأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَر ولا وبر ولا شَعَر إلا أدخله الله به عزاً أو ذلاً حتى يبلغَ حيث يبلغ الليل» كذا في كنز العمال . وقال الهيثمي : رواه الطبراني، وفيه يزيد بن سِنان أبو فَرْوة وهو مقارب الحديث مع ضعف كثير ــــ إنتهى، وقال الحاكم : هذا حدث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه، وتعقبه الذهبي فقال: يزيد بن سنان هو الرّهاوي ضعفَّه أحمد وغيره، وعُقْبة (أي شيخه) نَكِرة لا تعرف ــــ إنتهى، وذكر عُقْبة في اللسان فقال: قال البخاري في صحته نظر، وذكره ابن حِبَّان في الثقات. إنتهى.