Pages

عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على قومه عند وفاة أبي طالب



{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }  
 
اسم الكتاب حياة الصحابة { رضى الله عنهم }

مؤلف الداعي كبير الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي 1335هـ / 1917 ــ1965م،
 تنقل كثيراً في طلب العلم أولاً، وفي نشر الدعوة ثانياً، زار السعودية عدة مرات حاجاً، والباكستان مؤلف كتاب الشيخ أماني الأخبار وهو شرح معاني الآثار للطحاوي، وكتابه الشهير حياة الصحابة


عرضه صلى الله عليه وسلم الكلمة على أبي طلب عند وفاته

وعند ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما ــــ كما في البداية ــــ قال: لمّا مَشوا إِلى أَبي طالب وكلَّموه وهم أَشراف قومه: عُتبةُ بن ربيعة، وشَيْبة بن ربيعة، وأَبو جهل بن هشام، وأُميةُ بن خَلَف، وأبو سفيان بن حَرب، في رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب، إِنَّك منَّ حيث قد علمتَ، وقد حضرك ما ترى، وتخوَّفنا عليك، قد علمتَ الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادْعه فخذْ لنا منه وخذْ له منّا ليكفَّ عنا ولنكفَّ عنه ولْيدَعْنا وديننا ولْنَدَعه ودينه.
فبعث إِليه أَبو طالب فجاءه، فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أَشراف قومك قد اجتمعوا إِليك ليعطوك وليأَخذوا منك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم كلمة واحدة تعطونها تملكون به العرب وتَدين لكم بها العجم»، فقال أبو جهل: نعم وأَبيك وعشر كلمات، قال: «تقولون: لا إِله إلا الله، وتخلَعون ما تعبدون من دونه» فصفَّقوا بأَيديهم، ثم قالوا: يا محمد، أَتريد أَن تجعلَ الآلهة إِلهاً واحداً؟ إِنَّ أمرك لعجبٌ قال ثم قال بعضهم لبعض: إِنَّه ــــ والله ــــ ما هذا الرجل بمعطيكُم شيئاً مما تريدون، فانطلِقُوا وامضُوا على دين آبائكم حتى يحكُم الله بينكم وبينه، ثم تفرَّقوا.
قال: فقال أبو طالب: الله يا ابن أخي، ما رأيتك سألتهم شططاً، قال: فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فجعل يقول له: أَيْ عم، فأنت فقُلْها إستحلُّ لك بها الشفاعة يوم القيامة» فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي. والله لولا مخافةُ السُبَّة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأَن تظنَّ قريش أني إِنما قلتها جَزَعاً من الموت لقلتها، لا أقلها إلا لأسرَّكَ بها.. فذكر الحديث.. وفيه راوٍ مبهم لا يُعرف حالُه.


وعند البخاري عن ابن المسيِّب عن أبيه أنَّ أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: «أيْ عم، قل: لا إله إلا الله كلمةً أحاجُّ بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملَّة عبد الطلب؟ فلم يزالا يكلِّمانه حتى قال آخر ما كلَّمهم به: على ملَّةِ عبد المطلب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لأستغفرنَّ لك ما لم أُنَه عنك» فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } (التوبة: 113) ونزلت: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (القصص: 56)، ورواه مسلمك. وأخرجاه أيضاً من طريق آخرَ عنه بنَحْوِه وقال فيه فلم يزلْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى قال آخر ما قال: على ملَّة عبد المطَّلب، وأبى أن يقول: «لا إله إلا الله» فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أمَا لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»، فأنزلَ الله ــــ يعني بعد ذلك ــــ فذكر الآيتين.

وهكذا روى الإمام أحمد ومسلم والنِّسائي والترمذي عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: لم حضرتْ وفاةُ أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمَّاه قُلْ: لا إِله إِلا الله أشهدْ لك بها يوم القيامة»، فقال: لولا أنْ تعيِّرني قريش يقولون: ما حمله عليه إِلا فزعُ الموت لأقررتُ بها عينك، ولا أقولها إِلا لأُقرَّ بها عينك؛ فأنزل الله عزّ وجلّ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (القصص: 56)، كذا في البداية .