Pages

إنكاره صلى الله عليه وسلم أن تترك الدعوة إلى الله وأخرج الطبراني والبخاري في التاريخ



{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }  

اسم الكتاب حياة الصحابة { رضى الله عنهم }
مؤلف الداعي كبير الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي 1335هـ / 1917 ــ1965م،
 تنقل كثيراً في طلب العلم أولاً، وفي نشر الدعوة ثانياً، زار السعودية عدة مرات حاجاً، والباكستان مؤلف كتاب الشيخ أماني الأخبار وهو شرح معاني الآثار للطحاوي، وكتابه الشهير حياة الصحابة
إنكاره صلى الله عليه وسلم أن تترك الدعوة إلى الله
وأخرج الطبراني والبخاري في التاريخ عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جاءت قريش إلى أبي طالب... فذكر الحديث كما سيأتي في باب تحمُّل الشدائد وفيه: فقال له أبو طالب: يا ابن أخي، والله ما علمتُ إِنْ كنت لي لمطاعاً، وقد جاء قومك يزعمون أنَّك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم فإنْ رأيت أن تكفَّ عنهم. فحلَّق ببصره إلى السماء فقال: «والله ما أنا بأقدرَ أنْ أدَع بعثتُ به مِنْ أن يشعل أحدكم من هذه الشمس شعلة من نار». وعند البيهقي أنَّ أبا طالب قال له صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي، إِنَّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا وكذا، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك ولا تحمِّلْني مِنَ الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكففْ عن قومك ما يكرهون من قولك، فظنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ قد بَدَا لعمه فيه، وأنَّه خاذلُه ومسلمُه وضَعفُ عن القيام معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عمّ، لو وُضعت الشمسُ عن يميني والقمرُ في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يُظهرَهُ الله أو أهلِكَ في طلبه»؛ ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ــــ فذكر الحديث كما سيأتي.


وأخرج عبد بن حُمَيد في مسنده عن ابن أبي شيبة بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اجتمع قريش يوماً فقالوا: أنظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرَّق جماعتنا وشتَّت أمرنا وعاب ديننا، فليُكلمْهُ، وينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحداً غيرَ عُتبة بن ربيعة؛ قالوا: إئتهِ يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمد، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإن كنتَ تزعم أنَّ هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك إنَّا ــــ والله ــــ ما رأينا سَخْلة قط أشأم على قومه منك، فرقتَ جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وعِبتَ ديننا، وفضحتَنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أنَّ في قريش ساحراً وأنَّ في قريش كاهناً والله ما ننتظر إِلا مثلَ صيحة الحبلى أنْ يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإنْ كان إنما بك الباه فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجكَ عشراً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فَرغت؟» نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم، حم. تنزيلٌ من الرحمن الرحيم. كتابٌ فُصِّلَتْ آياتُه قرآناً عربياً لقوم يعلمون. ــــ إلى أنْ بلغ ــــ فإن أعرضوا فقل أنذرتكُم صاعقةَ مثلَ صاعقةِ عادٍ وثمود»، فقال عتبة: حسْبُك ما عندك غير هذا؟ قال: «لا»؛ فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءَك؟ قال: ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلِّمونه إلا كلّمته، قالوا: فهل أجابك؟ فقال: نعم، ثم قال: لا والذي نَصَبَها بَنِيَّة ما فهمتُ شيئاً ممَّا قال غير أنَّه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قالوا: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا والله ما فهمت شيئاً ما قال غير ذكر الصاعقة.



وقد رواه البيهقي وغيره عن الحاكم وزاد: وإِن كنتَ إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت. وعنده: أنَّه لما قال: «فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود» أمسك عتبة على فيهِ وناشده الرَّحِم أن يكفَّ عنه ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش، ما نرى عتبة إلا صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، إنطلقوا بنا إليه. فأتَوه، فقال أبو جهل: والله يا عتبة، ما جئنا إلا أنك صبوْتَ إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كان بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك ن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يُكلِّم محمداً أبداً، وقال لقد علمتُم أني من أكثر قريش مالاً ولكنِّي أتيته ــــ وقصَّ عليهم القصة ــــ فأجابني بشيء والله ما هو بسحر ولا بشعر ولا كِهانة، قرأ «بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم ــــ حتى بلغ ــــ فإنْ أعرضوا فَقُلْ أنذرتكُم صاعقةً مثل صاعقة عاد وثمود»؛ فأمسكت بفيهِ وناشدته الرَّحِم أنْ يكفَّ، وقد علمتم أنَّ محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل عليكم العذاب، كذا في البداية . وأخرجه أبو يَعْلَى عن جابر رضي الله عنه مثل حديث عبد بن حُمَيد. وأخرجه أبو نُعيم في الدلائل (ص 75) بنحوه، قال الهيثمي : وفيه الأجلحُ الكِندي وثَّقه ابن مَعِين وغيره وضعفَّه النِّسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات. انتهى.


وأخرج أبو نُعيم في دلائل النبوة (ص 76) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن قريشاً إجتمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، فقال عتبة بن ربيعة لهم: دعوني حتى أقومَ إليه أُكلمه فإني عسى أن أكون أرفقَ به منكم، فقام عتبة حتى جلس إليه فقال: يا ابن أخي، أراكَ أوسطنا بيتاً، وأفضلنا مكاناً، وقد أدخلت على قومك ما لم يُدخل رجل على قومه مثله فإنْ كنت تطلب بهذا الحديث مالاً فذلك لك على قومك أنْ يُجمع لك حتى تكون أكثرنا مالاً. وإن كنت تطلب شَرَفاً فنحن نشرِّفك حتى لا يكون أحد من قومك أشرف منك ولا نقطع أمراً دونك. وإن كان هذا عن ملمَ يصيبك فلا تقدر على النزوع منه بذلنا لك خزائننا حتى نُعْذَر في طلب الطبِّ لذلك منك. وإن كنت تريد ملكاً ملَّكناك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَفرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حم السَّجْدة، حتى مرَّ بالسجدة، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتبة مُلْقٍ يده خَلْف ظهره حتى فرغ من قراءتها، ثم قام عتبة ما يدري ما يرجع به إلى نادي قومه، فلما رأوه مقبلاً قالوا: لقد رجع إليكم بوجه غير ما قام من عندكم، فجلس إليهم فقال: يا معشر قريش، قد كلمته بالذي أمرتموني به حتى إذ فرغت كلمني بكلام لا والله ما سمعت أذناي مثله قط وما دريت ما أقول له يا معشر قريش، فأطيعوني اليوم واعصوني فيما بعده واتركوا الرجل واعتزلوه، فوالله ما هو بتارك ما هو عليه، وخلُّوا بينه وبين سائر العرب، فإن يظهر عليكم يكن شرفه شرفكم وعزه عزكم، وإن يظهروا عليه تكونوا قد كُفيتموه بغيركم. قالوا: صبأت يا أبا الوليد. وهكذا ذكره ابن إسحاق بطوله كما ذكر في البداية ، وأخرجه البيهقي أيضاً من حديث عمر مختصراً، قال ابن كثير في البداية : وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه.